فصل: أحاديث الخصوم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


 أحاديث الخصوم

أخرج الدارقطني ‏[‏عند الدارقطني‏:‏ ص 338‏.‏‏]‏ عن عبد اللّه بن أذينة عن هشام بن الغاز عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه، قال‏:‏ ارتدت امرأة عن الإِسلام فأمر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن يعرضوا عليها الإِسلام، فإن أسلمت وإلا قتلت، فعرض عليها فأبت، أن تسلم، فقتلت، انتهى‏.‏ وعبد اللّه بن أذينة جرحه ابن حبان، فقال‏:‏ لا يجوز الاحتجاج به بحال، وقال الدارقطني في ‏"‏المؤتلف والمختلف‏"‏‏:‏ متروك، ورواه ابن عدي في ‏"‏الكامل‏"‏، وقال‏:‏ عبد اللّه بن عطارد بن أذينة منكر الحديث، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه الدارقطني أيضًا ‏[‏عند الدارقطني‏:‏ ص 338‏.‏‏]‏ عن محمد بن عبد الملك الأنصاري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت‏:‏ ارتدت امرأة يوم أحد، فأمر النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن تستتاب، فإن تابت، وإلا قتلت، انتهى‏.‏ ومحمد بن عبد الملك هذا، قال أحمد، وغيره فيه‏:‏ يضع الحديث‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه الدارقطني أيضًا ‏[‏عند الدارقطني‏:‏ ص 338‏.‏‏]‏ عن معمر بن بكار السعدي ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن محمد بن المنكر عن جابر، أن امرأة يقال لها‏:‏ أم مروان ارتدت عن الإِسلام، فأمر النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن يعرض عليها الإِسلام، فإن رجعت، وإلا قتلت، انتهى‏.‏ ومعمر بن بكار في حديثه وهم، قاله العقيلي، وهذا الحديث ملحق بالأول‏.‏

- الآثار‏:‏ أخرجه الدارقطني ‏[‏عند الدارقطني‏:‏ ص 336‏.‏‏]‏ عن سعيد بن عبد العزيز أن أبا بكر رضي اللّه عنه قتل أم قرفة الفزارية في ردتها قتلة مثلة، شد رجليها بفرسين، ثم صاح بهما، فشقاها، لكن قيل‏:‏ إن سعيدًا هذا لم يدرك أبا بكر، فيكون منقطعًا‏.‏

- الحديث الثالث‏:‏ روي أن عليًا رضي اللّه عنه أسلم في صباه، وصحح النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إسلامه، وافتخاره بذلك مشهور،

قلت‏:‏ اختلفت الرواية في إسلام علي رضي اللّه عنه، فأخرج البخاري في ‏"‏تاريخه‏"‏ عن عروة، قال‏:‏ أسلم علي، وهو ابن ثماني سنين، وأخرج الحاكم في ‏"‏المستدرك ‏[‏في ‏"‏المستدرك - في فضائل علي - باب إسلام أمير المؤمنين‏"‏ ص 111 - ج 3‏]‏ - في الفضائل‏"‏ من طريق ابن إسحاق أن عليًا أسلم، وهو ابن عشر سنين، وأخرج من طريق عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن الحسن أنه كان عمره خمس عشرة سنة، وأخرج أيضًا عن مسعر عن الحكم ابن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ دفع الراية إلى علي يوم بدر، وهو ابن عشرين سنة، انتهى‏.‏ وقال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، قال الذهبي في ‏"‏مختصره‏"‏‏:‏ هذا نص في أنه أسلم، وله أقل من عشر سنين، بل نص في أنه أسلم ابن سبع سنين، أو ثماني سنين، وهو قول عروة، انتهى‏.‏ وأخرج أيضًا ‏[‏في ‏"‏المستدرك - في مناقب خديجة بنت خويلد‏"‏ ص 183 - ج 3‏.‏‏]‏ من طريق ابن إسحاق عن إسماعيل بن عمرو بن عفيف عن جده عفيف بن عمرو، قال‏:‏ كنت امرأ تاجرًا، وكنت صديقًا للعباس بن عبد المطلب في الجاهلية، فقدمت لتجارة، فنزلت على العباس بمنى، فجاء رجل، فنظر إلى الشمس حين مالت، فقام يصلي، ثم جاءت امرأة، فقامت تصلي، ثم جاء غلامًا قد راهق الحلم، فقام يصلي، فقلت‏:‏ للعباس‏:‏ من هذا‏؟‏ فقال‏:‏ هذا محمد ابن أخي يزعم أنه نبي، ولم يتابعه على أمره غير امرأته هذه خديجة بنت خويلد، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب، قال‏:‏ عفيف فلوددت أني أسلمت يومئذ، فيكون لي ربع الإِسلام، انتهى‏.‏ وقال‏:‏ صحيح الإِسناد، ولم يخرجاه، وروى ابن سعد في ‏"‏الطبقات - في ترجمة علي‏"‏‏:‏ أخبرنا الواقدي ثنا إبراهيم بن نافع، وإسحاق بن حازم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال‏:‏ أول من صلى عليُّ، وهو ابن عشر سنين، أخبرنا الواقدي حدثني عمرو بن عبد اللّه ابن عنبسة عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة، قال‏:‏ أسلم علي وهو ابن تسع سنين، أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ دعا عليًا إلى الإِسلام، وهو ابن تسع سنين، ويقال‏:‏ دون التسع، ولم يعبد وثنًا قط لصغره، انتهى‏.‏ قال ابن الجوزي في ‏"‏التحقيق‏"‏‏:‏ روي عن أحمد أنه قال‏:‏ أسلم علي وهو ابن ثماني سنين، وروي عنه أيضًا، أنه أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، قال‏:‏ واستقراء الحال يبطل رواية الخمسة عشر، لأنه إذا كان له يوم البعث ثماني سنين فقد عاش بعد ثلاثًا وعشرين سنة، وبقي بعد النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ نحو الثلاثين، فهذه مقاربة الستين، وهو الصحيح في مقدار عمره، ثم أسند عن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ قتل علي، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، قال‏:‏ فمتى قلنا‏:‏ إنه كان له يوم إسلامه خمس عشرة صار عمره ثمانيًا وستين، ولم يقله أحد، انتهى‏.‏ قال صاحب ‏"‏التنقيح‏"‏‏:‏ والدليل على صحة إسلام الصبي ما رواه البخاري من حديث أنس، قال‏:‏ كان غلام يهودي يخدم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فمرض، فأتاه النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له‏:‏ أسلم، فنظر إلى أبيه، وهو عنده، فقال‏:‏ أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وهو يقول‏:‏ الحمد للّه الذي أنقذه بي من النار، انتهى‏.‏ قال‏:‏ ولأن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عرض الإِسلام على ابن صياد، وهو غلام لم يبلغ الحلم، ومن قال‏:‏ لا إله إلا اللّه دخل الجنة، قال‏:‏ والمنصوص عن أحمد صحة إسلام ابن سبع سنين، فقال‏:‏ إذا بلغ الغلام سبع سنين جاز إسلامه، ويجبر على الإِسلام إذا كان أحد أبويه مسلمًا، لأن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، فإن رجع عن الإِسلام انتظر به حتى يبلغ، فإن أسلم، وإلا قتل، انتهى كلامه‏.‏

- أحاديث إمهال المرتد ثلاثة أيام‏:‏ روى البيهقي في ‏"‏كتاب المعرفة‏"‏ من طريق الشافعي ثنا مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاري عن أبيه عن عمر أنه قال لوفد قدموا عليه من بني ثور‏:‏ هل من مغربة ‏[‏قال ابن الأثير في ‏"‏النهاية ص 172 - ج 3 في باب الغين مع الراء‏"‏‏:‏ ومنه حديث عمر‏:‏ قدم عليه رجل، فقال له‏:‏ هل من مغربة خبر‏"‏ - بكسر الراء، وفتحها مع الإضافة فيهما - أي هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد، انتهى‏]‏ خبر‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، أخذنا رجلًا من العرب كفر بعد إسلامه، فقدمناه، فضربنا عنقه، فقال‏:‏ هل أدخلتموه جوف بيت، فألقيتم إليه كل يوم رغيفًا، ثلاثة أيام، واستتبتموه لعله يتوب، أو يراجع أمر اللّه‏؟‏ اللّهم لم أشهد، ولم آمر، ولم أرض، إذا بلغني، انتهى‏.‏ ورواه مالك في ‏"‏الموطأ - في الأقضية‏"‏، قال أبو مصعب‏:‏ أخبرنا مالك، ورواه أبو عبيد القاسم ابن سلام في ‏"‏كتاب غريب الحديث‏"‏ حدثني إسماعيل بن جعفر عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاري به، فذكره، قال أبو عبيد‏:‏ ولم أسمع التوقيت في غير هذا الحديث، ‏"‏والمغربة‏"‏ - بفتح الراء، وكسرها - لغتان، وأصله البعد، ومنه قولهم‏:‏ شأو مغرب، ودار فلان غربة، انتهى كلامه‏.‏ وروى ابن سعد في ‏"‏الطبقات - في ترجمة عمر بن عبد العزيز‏"‏، قال‏:‏ يستتاب المرتد ثلاثة أيام، فإن أسلم، وإلا قتل، انتهى‏.‏

*4* باب البغاة

- قوله‏:‏ وكشف الإِمام عن شبهتهم، لأن عليًا فعل كذلك بأهل حروراء، قلت‏:‏ رواه النسائي في ‏"‏سننه الكبرى - في خصائص علي‏"‏ فقال‏:‏ أخبرنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل سمك الحنفي حدثني عبد اللّه بن عباس، قال‏:‏ لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف، فقلت لعلي‏:‏ يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة، لعلي أكلم هؤلاء القوم، قال‏:‏ إني أخافهم عليك، قلت‏:‏ كلا، فلبست ثيابي، ومضيت حتى دخلت عليهم في دار، وهم مجتمعون فيها، فقالوا‏:‏ مرحبًا بك يا ابن عباس، ما جاء بك‏؟‏ قلت‏:‏ أتيتكم من عند أصحاب النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وصهره، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم، قلت، هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وابن عمه، وختنه، وأول من آمن به، قالوا‏:‏ ثلاث، قلت‏:‏ ما هي‏؟‏ قالوا‏:‏ إحداهن أنه حكم الرجال في دين اللّه، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إن الحكم إلا للّه‏} [الأنعام: 57]‏، قلت‏:‏ هذه واحدة، قالوا‏:‏ وأما الثانية‏:‏ فإنه قاتل، ولم يسب، ولم يغنم، فإن كانوا كفارًا لقد حلت لنا نساؤهم، وأموالهم، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت علينا دماؤهم، قلت‏:‏ هذه أخرى، قالوا‏:‏ وأما الثالثة‏:‏ فإنه محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين، قلت‏:‏ هل عندكم شيء غير هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ حسبنا هذا، قلت لهم‏:‏ أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب اللّه، وحدثتكم من سنة نبيه ما يرد قولكم هذا، ترجعون‏؟‏ قالوا‏:‏ اللّهم نعم، قلت‏:‏ أما قولكم‏:‏ إنه حكم الرجال في دين اللّه، فإنا أقرأ عليكم أن قد صير اللّه حكمه إلى الرجال في أرنب ثمنها ربع درهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏}‏ [المائدة: 95]، إلى قوله‏:‏ ‏{‏يحكم به ذوا عدل منكم‏}‏ [المائدة: 95] وقال في المرأة وزوجها‏:‏ ‏{‏وإن خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها‏}‏ [النساء: 35] أنشدكم اللّه أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم، وإصلاح ذات بينهم أحق، أم في أرنب ثمنها ربع درهم‏؟‏ فقالوا‏:‏ اللّهم بل في حقن دمائهم، وإصلاح ذات بينهم، قلت‏:‏ أخرجت من هذه‏؟‏ قالوا‏:‏ اللّهم نعم، قلت‏:‏ وأما قولكم‏:‏ إنه قاتل، ولم يسب، ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة، فتستحلوا منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم، لئن فعلتم لقد كفرتم، وإن قلتم‏:‏ ليست بأمنا فقد كفرتم، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم‏} [الأحزاب: 6]‏، فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منهما بمخرج، أخرجت من هذه الأخرى‏؟‏ قالوا‏:‏ اللّهم نعم، قلت‏:‏ وأما قولكم‏:‏ محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ دعا قريشًا يوم الحديبية على أن يكتب بينهم وبينه كتابًا، فقال‏:‏ اكتب‏:‏ هذا ما قضى عليه محمد رسول اللّه، فقالوا‏:‏ واللّه لو كنا نعلم أنك رسول اللّه ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب‏:‏ محمد بن عبد اللّه، فقال‏:‏ وإني لرسول اللّه، وإن كذبتموني، يا علي اكتب‏:‏ محمد بن عبد اللّه، فرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ خير من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه ذلك محوًا من النبوة، أخرجت من هذه الأخرى‏؟‏ قالوا‏:‏ اللّهم نعم، فرجع منهم ألفان، وبقي سائرهم، فقتلوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون والأنصار، انتهى‏.‏ ورواه عبد الرزاق في ‏"‏مصنفه - في أواخر القصاص‏"‏ حدثنا عكرمة بن عمار به، وقال في آخره‏:‏ فرجع منهم عشرون ألفًا، وبقي منهم أربعة آلاف، فقتلوا على ضلالتهم، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏ - ورواه الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ‏[‏في ‏"‏المستدرك - في قتال أهل البغي‏"‏ ص 150 - ج 2‏]‏، وقال فيه‏:‏ وكانوا ستة آلاف، فرجع منهم ألفان، وبقي سائرهم، قتلوا على ضلالة، وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه‏.‏

- طريق آخر‏:‏ رواه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع حدثني يحيى بن سليم عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم عن عبيد اللّه بن عياض بن عمرو القارئ، قال‏:‏ جاء عبد اللّه بن شداد، فدخل على عائشة، ونحن عندها جلوس، مرجعه من العراق، ليالي قوتل علي رضي اللّه عنه، فقالت له‏:‏ يا عبد اللّه هل أنت صادقي عما أسألك عنه‏؟‏ قال‏:‏ ومالي لا أصدقك يا أم المؤمنين، قالت‏:‏ فحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي، قالت‏:‏ فحدثني عن قصتهم، قلت‏:‏ إن عليًا رضي اللّه عنه لما كاتب معاوية، وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها‏:‏ حروراء من جانب الكوفة، إلى أن قال‏:‏ فبعث علي إليهم عبد اللّه بن عباس، فخرجت معه حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكواء، فخطب، فقال‏:‏ يا حملة القرآن، هذا عبد اللّه بن عباس، فمن لم يكن يعرفه، فأنا أعرفه، من كتاب اللّه ما نعرفه به، هذا ممن نزل فيه وفي قومه ‏(‏قوم خصمون‏)‏ فردوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب اللّه، فقام خطباؤهم، فقالوا‏:‏ واللّه لنواضعنه كتاب اللّه، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله، فواضعهم عبد اللّه بن عباس الكتاب، وواضعوه ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف، فيهم ابن الكواء، حتى أدخلهم الكوفة على علي، وبعث علي إلى بقيتهم، فقال لهم‏:‏ قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دمًا حرامًا، أو تقطعوا سبيلًا، أو تظلموا ذمة، فإنكم إن فعلتم نبذنا إليكم الحرب على سواء، إن اللّه لا يحب الخائنين، مختصر، ورواه الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ أيضًا ‏[‏عند الحاكم في ‏"‏قتال أهل البغي ص 152 - ج 2 - باب مناظرة ابن عباس مع الحرورية‏"‏ عن يحيى بن سليم، وعبد اللّه بن واقد عن عبد اللّه بن خثيم عن عبد اللّه بن شداد، الحديث‏.‏‏]‏، وقال‏:‏ حديث صحيح على شرط البخاري، ومسلم، ولم يخرجاه‏.‏

قوله‏:‏ لقول علي رضي اللّه عنه يوم الجمل‏:‏ ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر، ولا يؤخذ مال، قلت‏:‏ روى ابن أبي شيبة في آخر ‏"‏مصنفه‏"‏ حدثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن السدي عن عبد خير عن علي أنه قال يوم الجمل‏:‏ لا تتبعوا مدبرًا، ولا تجهزوا على جريج، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، حدثنا عبدة بن سليمان عن جويبر عن الضحاك أن عليًا لما هزم طلحة وأصحابه أمر مناديه، فنادى‏:‏ أن لا يقتل مقبل ولا مدبر، ولا يفتح باب، ولا يستحل فرج، ولا مال، انتهى‏.‏ حدثنا حفص ابن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال‏:‏ أمر علي مناديه فنادى يوم النصرة‏:‏ لا يتبع مدبر، ولا يدفف على جريج، ولا يقتل أسير، ومن أغلق بابه، أو ألقى سلاحه فهو آمن، ولم يأخذ من متاعهم شيئًا، انتهى‏.‏ وهذا الأخير رواه عبد الرزاق في ‏"‏مصنفه - في أواخر القصاص‏"‏ أخبرنا ابن جريج عن جعفر به، وزاد‏:‏ وكان علي لا يأخذ مالًا لمقتول، ويقول‏:‏ من اغترف شيئًا فليأخذه، انتهى‏.‏ وفي ‏"‏تاريخ واسط‏"‏ لبحشل ‏[‏أسلم بن سهل الواسطي، وقد ألف - تاريخ واسط - ، ويلقب بحشلا، وقال أبو نعيم‏:‏ كان من كبار الحفاظ العلماء من أهل واسط رحمه اللّه تعالى ‏"‏اللسان‏"‏ ص 388 - ج 1، قال‏:‏ فإن حكم اللّه فيهم أن لا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يدفف على جريحهم، انتهى‏]‏‏:‏ حدثنا محمد بن فرج بن كردي ثنا محمد بن الحكم ابن عوانة ثنا أبي عن أبي محنف عن علي بن أبي طالب أنه قال يوم الجمل‏:‏ لا تتبعوا مدبرًا، ولا تجهزوا على جريج، ولا تقتلوا أسيرًا، وإياكم والنساء، وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فلقد رأيتنا في الجاهلية، وإن الرجل ليتناول المرأة بالجريدة، أو الهراوة، فيغير بها هو، وعقبه من بعده، انتهى‏.‏

- وفيه حديث مرفوع‏:‏ رواه الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ‏[‏في ‏"‏المستدرك - في قتال أهل البغي‏"‏ ص 155 - ج 2، ومتنه‏]‏، والبزار في ‏"‏مسنده‏"‏ من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال‏:‏ هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم اللّه فيمن بغى من هذه الأمة‏؟‏ قال‏:‏ اللّه ورسوله، قال‏:‏ لا تجهز على جريحها، ولا تقتل أسيرها، ولا تطلب هاربها، ولا تقسم فها، انتهى‏.‏ وسكت الحاكم عنه، وذكره عبد الحق في ‏"‏أحكامه‏"‏ من جهة البزار، وأعله بكوثر بن حكيم، وقال‏:‏ إنه متروك، وكذلك قال الذهبي في ‏"‏مختصره‏"‏ متعقبًا على الحاكم، واللّه أعلم‏.‏

قوله‏:‏ روي أن عليًا قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة، وكانت قسمته للحاجة لا للتمليك، قلت‏:‏ روى ابن أبي شيبة في ‏"‏آخر مصنفه - في باب وقعة الجمل‏"‏ حدثنا وكيع عن فطر عن منذر عن ابن الحنفية أن عليًا قسم يوم الجمل في العسكر ما أجافوا عليه من كراع وسلاح، انتهى‏.‏ ورواه ابن سعد في ‏"‏الطبقات - في ترجمة محمد بن الحنفية‏"‏ أخبرنا الفضل بن دكين ثنا فطر بن خليفة عن منذر الثوري، قال‏:‏ سمعت محمد بن الحنفية، وذكر يوم الجمل، قال‏:‏ لما هزموا قال علي‏:‏ لا تجهزوا على جريج، ولا تتبعوا مدبرًا، وقسم فيهم بينهم ما قوتل به من سلاح وكراع، وأخذنا ما جلبوا به علينا من كراع أو سلاح، انتهى‏.‏ وروى ابن أبي شيبة أيضًا، حدثنا يحيى بن آدم ثنا مسعود بن سعد الجعفي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري، قال‏:‏ لما انهزم أهل الجمل، قال علي‏:‏ لا تطلبوا من كان خارجًا من العسكر، وما كان من دابة أو سلاح، فهو لكم، وليس لكم أم ولد، وأي امرأة قتل زوجها فلتعتد أربعة أشهر وعشرًا، قالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين، تحل لنا دماءهم، ولا تحل لنا نساءهم‏؟‏ فخاصموه، فقال‏:‏ هاتوا نساءكم واقرعوا على عائشة، فهي رأس الأمر وقائدهم، قال‏:‏ فخصمهم علي، وعرفوا، وقالوا‏:‏ نستغفر اللّه، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ روى الزهري إجماع الصحابة - يعني أن لا يضمن الباغي إذا قتل العادل - ، قلت‏:‏ روى عبد الرزاق في ‏"‏مصنفه - في أواخر القصاص‏"‏ أخبرنا معمر أخبرني الزهري أن سليمان بن هشام كتب إليه يسأله عن امرأة خرجت من عند زوجها، وشهدت على قومها بالشرك، ولحقت بالحرورية، فتزوجت، ثم أنها رجعت إلى أهلها تائبة، قال الزهري‏:‏ فكتب إليه، أما بعد‏:‏ فإن الفتنة الأولى ثارت، وأصحاب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ممن شهد بدرًا كثير، فاجتمع رأيهم على أن لا يقيموا على أحد حدًا في فرج استحلوه بتأويل القرآن، ولا قصاص في دم استحلوه بتأويل القرآن، ولا يرد مال استحلوه بتأويل القرآن، إلا أن يوجد شيء بعينه، فيرد على صاحبه، وإني أرى أن ترد على زوجها، وأن يحد من افترى عليها، انتهى‏.‏